سورة البقرة - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


قوله تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا}
عامة القراء على كسر التاء من الملائكة، وقرأَ أبو جعفر والأعمش بضمها في الوصل، قال الكسائي: هي لغة أزدشنوءة.
وفي هؤلاء الملائكة قولان. أحدهما: أنهم جميع الملائكة، قاله السدي عن أشياخه. والثاني: أنهم طائفة من الملائكة، روي عن ابن عباس، والأول أصح.
والسجود في اللغة: التواضع والخضوع، وأنشدوا:
ساجد المنخر ما يرفعه *** خاشع الطرف أصم المستمع
وفي صفة سجودهم لآدم قولان. أحدهما: أنه على صفة سجود الصلاة، وهو الأظهر.
والثاني: أنه الانحناء والميل المساوي للركوع.
قوله تعالى: {إِلا إِبليس}
في هذا الاستثناء قولان:
أحدهما: أنه استثناء من الجنس، فهو على هذا القول من الملائكة، قاله ابن مسعود في رواية، وابن عباس. وقد روي عن ابن عباس أنه كان من الملائكة، ثم مسخه الله تعالى شيطاناً. والثاني: أنه من غير الجنس، فهو من الجن، قاله الحسن والزهري. قال ابن عباس: كان إبليس من خزان الجنة، وكان يدير أمر السماء الدنيا. فان قيل: كيف استثني وليس من الجنس؟ فالجواب: أنه أمر بالسجود معهم، فاستثني منهم، لأنه لم يسجد، وهذا كما تقول: أمرت عبدي وإخوتي فأطاعوني إلا عبدي، هذا قول الزجاج.
وفي إبليس قولان. أحدهما: اسم أعجمي ليس بمشتق، ولذلك لا يصرف، هذا قول أبي عبيدة، والزجاج وابن الأنباري. والثاني: أنه مشتق من الإِبلاس، وهو: اليأس، روي عن أبي صالح، وذكره ابن قتيبة وقال: إِنه لم يصرف، لانه لا سمي له، فاستثقل. قال شيخنا أبو منصور اللغوي: والأول أصح، لأنه لو كان من الإِبلاس لصرف، أَلا ترى أنك لو سميت رجلاً: بإِخريط وإِجفيل؛ لصرف في المعرفة.
قوله تعالى: {أبى} معناه: امتنع، {واستكبر} استفعل من: الكبر، وفي {وكان} قولان. أحدهما: أنها بمعنى: صار، قاله قتادة. والثاني: أنها بمعنى الماضي، فمعناه: كان في علم الله كافراً، قاله مقاتل وابن الأنباري.


قوله تعالى: {وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة} زوجه: حواء، قال الفراء: أهل الحجاز يقولون لامرأة الرجل: زوج، ويجمعونها: الأزواج. وتميم وكثير من قيس وأهل نجد يقولون: زوجة، ويجمعونها: زوجات.
قال الشاعر:
فان الذي يسعى يحرّش زوجتي *** كماشٍ إِلى أسد الشرى يستبيلها
وأنشدني أبو الجراح:
يا صاح بلغ ذوي الزوجات كلهم *** أن ليس وصل اذا انحلت عرى الذنب
وفي الجنة التي أسكنها آدم قولان. أحدهما: جنة عدن. والثاني: جنة الخلد.
والرغد: الرزق الواسع الكثير، يقال: أرغد فلان، إذا صار في خصب وسعة.
قوله تعالى: {ولا تقربا هذه الشجرة}
أي: بالأكل، لا بالدُّنو منها.
وفي الشجرة ستة أقوال:
أحدها: أنها السنبلة، وهو قول ابن عباس، وعبد الله ابن سلام، وكعب الأحبار، ووهب بن منبه، وقتادة، وعطية العوفي، ومحارب بن دثار، ومقاتل.
والثاني: أنها الكرم، روي عن ابن مسعود، وابن عباس، وسعيد بن جبير، وجعدة بن هبيرة.
والثالث: أنها التين، روي عن الحسن، وعطاء بن أبي رباح، وابن جريج.
والرابع: أنها شجرة يقال لها: شجرة العلم، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والخامس: أنها شجرة الكافور، نقل عن علي بن أبي طالب.
والسادس: أنها النخلة، روي عن أبي مالك.
وقد ذكروا وجهاً سابعاً عن وهب بن منبه أنه قال: هي شجرة الخلد، وإِنما الكلام على جنسها.
قوله تعالى: {فتكونا من الظالمين}
قال ابن الأنباري: الظلم: وضع الشيء في غير موضعه، ويقال: ظلم الرجل سقاءه اذا سقاه قبل أن يخرج زبده. وقال الشاعر:
وصاحب صدق لم تربني شكاته *** ظلمت وفي ظلمي له عامداً أجرُ
أراد بالصاحب: وطب اللبن، وظلمه إِياه: أن يسقيه قبل أن يخرج زبده.
والعرب تقول: هو أظلم من حية، لأنها تأتي الحفر الذي لم تحفره فتسكنه، ويقال: قد ظلم الماء الوادي: إذا وصل منه إِلى مكان لم يكن يصل إليه فيما مضى. فان قيل: ما وجه الحكمة في تخصيص تلك الشجرة بالنهي؟ فالجواب: أنه ابتلاء من الله تعالى بما أراد. وقال أبو العالية: كان لها ثقل من بين أشجار الجنة، فلما أكل منها: قيل اخرج إلى الدار التي تصلح لما يكون منك.


قوله تعالى: {فأزلهما الشَّيْطانُ عنها فأخْرَجَهُما مما كانا فيه}
أزلهما بمعنى: استزلهما، وقرأ حمزة: {فأزالهما} أراد: نحاهما. قال أبو علي الفارسي: لما كان معنى {اسكن أنت وزوجك الجنة} اثبتا فيها، فثبتا؛ قابل حمزة الثبات بالزوال الذي يخالفه، ويقوي قراءته: {فأخرجهما}.
والشيطان: إبليس، وأضيف الفعل اليه، لأنه السبب. وفي هاء {عنها} ثلاثة أقوال: أحدها: أنها تعود إلى الجنة.
والثاني: ترجع إلى الطاعة.
والثالث: ترجع إلى الشجرة. فمعناه: فأزلهما بزلة صدرت عن الشجرة.
وفي كيفية إزلاله لهما، ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه احتال حتى دخل اليهما الجنة، وكان الذي أدخله الحية، قاله ابن عباس والسدي.
والثاني: أنه وقف على باب الجنة، وناداهما، قاله الحسن.
والثالث: أنه وسوس اليهما، وأوقع في نفوسهما من غير مخاطبة ولا مشاهدة، قاله ابن إسحاق، وفيه بعد. قال الزجاج: الأجود: أن يكون خاطبهما، لقوله: {وقاسمهما}.
واختلف العلماء في معصية آدم بالأكل، فقال قوم: إنه نهي عن شجرة بعينها، فأكل من جنسها. وقال آخرون: تأول الكراهة في النهي دون التحريم.
قوله تعالى: {وقلنا اهبِطوا بعضكم لبعضٍ عدوٌ ولكم في الارض مستقرٌ ومتاعٌ إلى حين} الهبوط بضم الهاء: الانحدار من علوّ، وبفتح الهاء: المكان الذي يهبط فيه، وإلى من انصرف هذا الخطاب؟ فيه ستة أقوال. أحدها: أنه انصرف إلى آدم وحواء والحية، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: إلى آدم وحواء وإبليس والحية، حكاه السدي عن ابن عباس. والثالث: إلى آدم وإبليس، قاله مجاهد. والرابع: إلى آدم وحواء وإبليس، قاله مقاتل. والخامس: إلى آدم وحواء وذريتهما، قاله الفراء. والسادس: إلى آدم وحواء فحسب، ويكون لفظ الجمع واقعاً على التثنية، كقوله: {وكنا لحكمهم شاهدين} [الأنبياء: 78] ذكره ابن الأنباري، وهو العلة في قول مجاهد أيضاً.
واختلف العلماء هل أهبطوا جملة أو متفرقين؟ على قولين.
أحدهما: أنهم أهبطوا جملة، لكنهم نزلوا في بلاد متفرقة، قاله كعب، ووهب.
والثاني: أنهم أهبطوا متفرقين، فهبط إبليس قبل آدم، وهبط آدم بالهند، وحواء بجُدَّة، وإِبليس بالأبلَّة قاله مقاتل. وروي عن ابن عباس أنه قال: أهبطت الحية بنصيبين، قال: وأمر الله تعالى جبريل بإخراج آدم، فقبض على ناصيته وخلصه من الشجرة التي قبضت عليه، فقال: أيها الملك ارفق بي. قال جبريل: إني لا أرفق بمن عصى الله، فارتعد آدم واضطرب، وذهب كلامه، وجبريل يعاتبه في معصيته، ويعدّد نعم الله عليه، قال: وأُدخل الجنة ضحوة، وأُخرج منها بين الصلاتين، فمكث فيها نصف يوم، خمسمائة عام مما يعد أهل الدنيا.
وفي العداوة المذكورة هاهنا ثلاثة أقوال.
أحدها: أن ذرية بعضهم أعداء لبعض، قاله مجاهد. والثاني: أن إبليس عدو لآدم وحواء، وهما له عدو، قاله مقاتل. والثالث: أن إبليس عدو للمؤمنين، وهم أعداؤه، قاله الزجاج.
وفي المستقر قولان. أحدهما: أن المراد به القبور، حكاه السدي عن ابن عباس. والثاني: موضع الاسقرار، قاله أبو العالية، وابن زيد، والزجاج، وابن قتيبة، وهو أصح.
والمتاع: المنفعة. والحين: الزمان. قال ابن عباس: {إِلى حين}، أي: إلى فناء الأجل بالموت.

8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15